المادة    
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهدي الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى ساعة حوار.
في ذروة تداعيات الأحداث في الأمة، وفي ظل التهاب الأوضاع في المنطقة، وفي خضم تفجر القضايا، ووسط هذا الصمت العالمي، والتخاذل الدولي، والغليان في الشارع الإسلامي، تظهر قضية فلسطين حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة لتمثل منظومة سخط من العداء المعلن والكره المبطن.
لم يعرف التاريخ قضية ظلمت كما ظلمت قضية الأقصى، عاش إخواننا تحت وطأة البؤس وهموم الحاجة وعوامل التشريد، فقراء لا مورد لهم، ونسوة لا عائل لهن، وأيتام لا آباء لهم، ومشردون لا أوطان لهم.
فلسطين الكريمة! قدسنا العظيم! ما أشد ما تكابدين من عسف قوي، وكيد الماكر، وقسوة الظالم، وجفاء الأهل!
من فلسطين برزت أحداث، وظهرت أمور:
- لماذا الانتفاضة؟
- هل حققت الانتفاضة مكاسب للقضية؟
- لماذا يسعى العالم بأسره لتحقيق ما يسمى بالسلام في المنطقة؟
- هل صحيح أن مؤشرات زوال إسرائيل بدت ظاهرة للعيان؟
أمور عديدة نطرحها في ساعة حوار في حلقتنا هذه على ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الدكتور!
الشيخ: الله يكرمك وحياك الله.
المذيع: أولاً: نسأل الله أن يعينك ويسددك، والحديث عن القضية حديث مهم وهو موضوعنا الأول، وأستأذنك في تذكير المشاهدين بفرحتنا بمشاركتهم عبر الهواتف:
نسعد بمشاركتكم عبر هواتفنا المعلنة المعروفة، من داخل المملكة : (014411100) وللمشاركة من خارج المملكة : (0096614422200).
نحن نتحدث عن موضوع مهم وهو الانتفاضة والتتار الجدد، وهو موضوع كتاب كتبه ضيف هذه الحلقة الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي .
والموضوع لا يحتاج إلى مقدمة، فالانتفاضة مشروع ضخم ومهم، وقد استقرأت هذه الانتفاضة من خلال كتابكم، وأود أولاً أن أعرج على السيرة -دعنا نقول- التاريخية التي استقرأتموها لهذه الانتفاضة التي ستكون منطلق الحديث معكم بإذن الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله إمام المجاهدين وقدوة المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن قضية الانتفاضة الفلسطينية هي أكبر من أن يحيط بها باحث أو عالم، فضلاً عن أن يقدمها في كتيب أو في حلقة، لكن الانتفاضة المقصودة في هذا اللقاء، أو في هذا الكتاب هي: مجموعة الأعمال الجهادية، أو مجموعة أعمال المقاومة التي نفضت عن الأمة غبار الذل والهوان، وانطلقت بتوفيق الله تبارك وتعالى في الأول من رجب سنة (1421)هـ، وأنا أقول: إن مما يجب أن يفهمه أو يعلمه المؤرخون وأرجو أن يتحقق بإذن الله تعالى...
المذيع: سوف تحدثنا عن انتفاضة (1421)هـ فقط؟
الشيخ: أقصد بالانتفاضة الانتفاضة الأخيرة وهي موضوع الليلة، انتفاضة التحرير بإذن الله، ولا أعني انتفاضة الحجر التي سبقتها، فأقول: هذا تاريخ ستكتبه الأجيال القادمة على أنه معلم فاصل بين مرحلتين متباينتين في تاريخ هذه الأمة المباركة.
  1. الانتفاضة .. وتوقف مشروع العولمة

    المذيع: ولكن ما سبب اختيارك لهذا التاريخ؟ وما قبل هذا يا دكتور..؟
    الشيخ: لأن أول يوم انطلقت فيه هذه الانتفاضة المباركة هو اليوم الأول من رجب؛ عندما أراد شارون أن يدنس وينجس المسجد الأقصى ومعه قرابة الألفين جهزهم باراك له، فعندما دخل المسجد الأقصى اشتبك مع جموع المصلين، فاشتعلت الانتفاضة التي لن تنطفئ بإذن الله تبارك وتعالى حتى يُقضى على هذه الدولة الدخيلة المحتلة.
    فمن هنا هذا هو التاريخ الفعلي الحقيقي، يقظة الأمة الإسلامية ودخولها في عصر جديد، وفي مرحلة جديدة تختلف اختلافاً كلياً عما قبلها، وهي الفجر والأمل الجديد الذي يضيء في تاريخ الأمة الإسلامية، وكل ما بعد هذا التاريخ وما بعد هذه الأحداث هو تابع لها وأثر لها مهما بلغت ضخامته عالمياً.
    وهناك أمثلة كثيرة، خذ مثالاً على ذلك:
    جاءت الانتفاضة والعولمة تريد أن تجتاح العالم، والشركات الصهيونية والأمريكية والغربية، تريد أن تبتلع المنطقة بثرواتها، جاءت والأمة في حالة إحباط ويأس، في حالة ذهول من الوضع التي وصلت إليه، وهي لا تدري كيف تتصرف...
    المذيع: ومع ذلك توقف هذا المشروع؟
    الشيخ: مشروع العولمة ربما -وأنا قرأت ذلك- هو أكبر مشروع في تاريخ هذا الكوكب، ومع ذلك الانتفاضة أوقفته، بل ربما تكون قلبته رأساً على عقب، بل إن الذين يتظاهرون ضد العولمة في عدة دول أوروبية وأمريكا يسمون المظاهرات بالانتفاضة، كرمز للانتفاضة التي قامت في أرض الأقصى.
    المذيع: هل تتوقع سياسة رئيس بدل رئيس في مثل دولة تهيمن على مثل هذه المشاريع مثل أمريكا مثلاً؟
    وأستأذنك في مقدمة قبل أن أطرح الحقيقة أعتذر للمشاهد أني لن أستقبل أي اتصال خلال النصف ساعة الأولى.
    الشيء الآخر: أن طرحي ليس طرح قناة المجد وليس طرحي الشخصي؛ لذلك أنا أستأذنك في أني سوف أطرح في جميع الاتجاهات التي تتحدث عن الموضوع بكافة توجهاتها وأفكارها، فلذلك أرجو أن تتحمل؛ لأني جمعت كل ما كتب حول هذا الموضوع وسأطرحه بكل معانيه.
    الشيخ: تفضل.
    المذيع: قناة المجد بحمد الله خصصت أيضاً برنامجاً متميزاً بعنوان: من فلسطين مع التحية، وهو قد خدم القضية خدمة كبيرة، وأرجو ألا أبالغ إن قلت: إنه من أهم البرامج التي سلطت الضوء على هذا الموضوع، لكني في هذه الساعة سوف أطرح أكثر من وجهة نظر.
    الشيخ: تفضل.
  2. إيقاف مشروع العولمة ليس سياسة أمريكية

    المذيع: أقول: إنه لا يُسلّم أن فشل موضوع العولمة إنما هو لمصالح رأتها أمريكا مثلاً: مصالح اقتصادية معينة أرادت تأجيل مثل هذا المشروع لوقت معين، لا يسلم أن الانتفاضة لها دور.
    الشيخ: أنا لا أستطيع من كثرة الأدلة وتواردها عليَّ أن آتي بها كلها؛ لكن أقول: هناك أمر وهو أن حقيقة مشروع الشرق أوسطية هو مشروع صهيوني أمريكي، وقد كتب عنه نتنياهو وكتب عنه غيره وطُرح على أنه لا رجعة عنه، وكثمرة من ثمرات أوسلو (السلام المزعوم) وأن هذه الأمة انتهت فلا مقاومة فيها ولا حراك بها، فهذا المشروع الآن أين هو؟ الآن أصبح في خبر كان، لم يعد له وجود، وخذ هذا كمثال على ذلك.
    ونحن يجب ألا نفوت أمراً، وهو أنه داخل هذا الكوكب، وداخل أمريكا أيضاً بالذات هناك صراع بين قوى كل منها يريد أن يسيطر على الآخر، فمثلاً: لوبي السلاح لا يريد العولمة أن تأخذ مداها كانفتاح معرفي وإنساني وثقافي وديمقراطي..إلخ.
    المذيع: وبالتالي يؤثر على مسيرته؟
    الشيخ: بالضبط، لكننا عندما نتحدث عن منطقتنا العربية الإسلامية نقول: إن الذي قلب الأحداث كلها الانتفاضة، كم شركة ألغت عقودها في العالم العربي بعد قيام الانتفاضة؟ كم شركة أحجمت وترددت في ذلك؟ العلاقات الدولية نفسها توترت، هناك دول كانت حليفة لـأمريكا عقوداً طويلة من الزمن، وبعد قيام الانتفاضة وبعد ما حدث من الأحداث، تأزمت العلاقة بين أمريكا وبين أقوى حلفائها.
    احتلال العراق ما هو إلا أثر من آثار الانتفاضة .. وهكذا، ولذلك البرهنة لا تأتي في سياق انقلاب المشروع، البرهنة التي أقدمها هي في سياق..... أي: كل هذه الأحداث كانت توابع كتوابع الزلزال الكبير الذي حدث في الأول من رجب من عام (1421)هـ.
    المذيع: هناك مواضيع طرحت قبل مشروع العولمة مثلاً، ولم تتم نظراً لعدم توفر آليات تنفيذها؟
    الشيخ: بالضبط، نحن لا نقول: إن السبب دائماً واحد، لكن الانتفاضة هي السبب في العولمة بالذات، هناك مشروعات أخفقت؛ لأنها لم تكن مرغوبة ولا مقبولة، أولم تكن الأمة مهيأة لها، والأمة دائماً تعاني من المشروعات من أول ما وجدت هذه الدولة أو الدويلات أو العصابات الصهيونية إلى الآن.
    لكن مشروع عالمي بهذه الضخامة تخسره الجهات الكونية -كما يقال- التي تخطط له بسبب الانتفاضة، هذا هو الشيء الذي نستطيع أن نبرهن عليه ويمكن أن نوضحه بأكثر من مثال.
  3. استفادة إسرائيل في احتلال العراق

    المذيع: أنت أشرت إلى قضية سأستبق الأحداث في ذكرها، وهي: عندما أشرت إلى مشروع الهيمنة الأمريكية على العراق، وهو أن الاحتلال الصريح الواضح الذي لا مراء فيه كان من آثار الانتفاضة، أنا أقول: قبل ذلك كتبت كتابات كثيرة من ضمنها ما كتبتم أنتم بأن من أساسيات هذا الاحتلال ستستفيد إسرائيل كثيراً من احتلال أمريكا للعراق، وأنها سوف تدمر الانتفاضة، وستقضي على مجموعة مقومات، ولم نر من هذا أي شيء؟
    الشيخ: نعم. هناك تحليل وهناك عمل أو نتيجة، من ناحية التحليل يكفي أن أقول لك: إن أحد المرشحين سابقاً للرئاسة الأمريكية من الحزب الجمهوري ومن المحافظين، ينتمي إلى التيار الذي ينتمي إليه جورج دبليو بوش وهو بوكانين كتب بعد قيام الحرب على العراق بأيام يقول: من المستفيد من هذه الحرب؟
    يقول: ثلاثة: دولة واحدة، ورئيس واحد، وحزب واحد: إسرائيل وشارون والليكود.
    وهذا كتبه في مجلة الأمريكي المحافظ، التي تعبر عن رأي الحزب ورأي الإدارة الأمريكية نفسها، وهو شاهد على أنه لم يكن بين أمريكا وبين الدول العربية أي مشكلة، حتى في قضية النفظ كما يقال، فالنفط كانت تأخذه أمريكا مهرباً أو مباعاً بأرخص الأسعار من العراق، وكان يمكن أن النظام البعثي يقدمه لها على طبق من ذهب لو رضيت أن يبقى.
    والآن ظهر ما ذكر في هذا الكتاب، وهو أن الاحتلال قد يعيق تدفق النفط، وهذا واقع، فالعراقيون في يوم واحد أشعلوا خمسة حرائق في أنابيب النفط، فالشاهد أنه بالفعل....، أما لو كان هناك تصارع بين الأمل وبين التخوف فما النتيجة؟
    هل هي تخوف أم أمل؟
    في الحقيقة كنا نخشى أن شارون يستغل قيام الحرب على العراق أو نتائجها فيقوم بعملية كبيرة أو خطيرة، إما اجتياح أو ضربة خطيرة، كأن تضرب المجمعات السكنية في نابلس مثلاً أو في غزة، أو أن تكون الدولة الفلسطينية -كما يقال- إما في الأردن ويعوض العرش الهاشمي في بغداد، أي: أن هناك أفكاراً طرحت، أو تكون في العراق ويهجر الشعب الفلسطيني إلى العراق، أو شيء من هذا.. فهذه كلها أفكار طرحت.
    لكن نحمد الله عز وجل أن الأمل الذي كنا نقوله وقلناه وقررناه الآن تأكد أن هذا المشروع لن يتم.
    تكتيكياً أمريكا رأت أن إسرائيل لا تتدخل ولا تحدث أمراً خارجاً عن العادة أثناء الحرب، لماذا؟ لأننا بعد الحرب نكون قد قضينا على هذا العدو الذي يهدد إسرائيل ولو في الظاهر، ولو على الأقل نحقق نبوءة التوراة، ونكون قد نزلنا في العراق وأصبحنا كمَّاشة، ووقتها يبدأ المخطط الصهيوني في التطبيق أو يُدرس بشكل أفضل.
    المذيع: يعني المسألة مسألة وقت الآن ..؟
    الشيخ: كان هذا هو المفروض، وكانت قضية شارون مسألة وقت لكي يتم ذلك، ولكن الذي حدث يؤكد أن ذلك لن يتم بإذن الله، لماذا؟ لأن المقاومة في العراق بدأت وعلى منهج الانتفاضة، وهذا نجاح للانتفاضة، ومثلما أنها تجربة جهادية ضد إسرائيل فهي قابلة وصالحة للتطبيق في أي مكان وفي أي بلد من بلدان العالم الإسلامي، وكان أكبر ما تخوف منه الأمريكان ولا يزالون مسألة العمليات الاستشهادية ومهاجمة نقاط التفتيش، وهي تقريباً نفس ما يحدث في فلسطين، ومن هنا نحن نتفاءل خيراً كثيراً لهذه الأمة بإذن الله تبارك وتعالى.